سهير رمزي: أختار أدواري بعناية.. ولا أهتم بحجم الدور
سهير رمزي تنتقد تراجع مستوى الفن الحالي وتؤكد رفضها تقديم أعمال دون المستوى حفاظًا على تاريخها الفني.

أكدت الفنانة القديرة سهير رمزي في مداخلة هاتفية لها مع الإعلامية نهال طايل عبر إحدى القنوات الفضائية، أنها ما زالت متمسكة بمعايير فنية صارمة في اختيار أعمالها، موضحة أنها لا تقبل بأي عمل فني يُعرض عليها إلا بعد دراسة دقيقة وتحليل عميق لمضمونه وقيمته الفنية. وشددت على أن اسمها الفني وتاريخها الطويل في عالم التمثيل يفرضان عليها أن تتحلى بمسؤولية مضاعفة تجاه الجمهور، وأن تكون حريصة على تقديم أعمال تُضيف لرصيدها، لا أن تنتقص منه.
الفنانة المخضرمة، التي بدأت رحلتها في الفن منذ عقود وتركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة المشاهد العربي، قالت إن معيارها الأساسي لقبول أي عمل هو اقتناعها الشخصي بالدور والمحتوى، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب منها وقتاً طويلاً للتفكير والمراجعة. فهي لا تؤمن بالسرعة في اتخاذ القرارات الفنية، بل تعتمد على التأني والدقة والبحث عن الجودة والقيمة.
وانتقلت الفنانة خلال الحديث إلى مقارنة بين ما يُعرض حالياً على الساحة الفنية، وبين ما كانت تقدمه الأجيال السابقة من أعمال ذات طابع عميق ومضامين إنسانية وثقافية راقية. وأشارت إلى أن هناك فارقاً كبيراً بين نوعية الكتابات التي كانت تُطرح في الماضي وتلك التي تقدم الآن، معتبرة أن الأعمال الدرامية في الزمن السابق كانت أكثر احتراماً لعقلية الجمهور، وأكثر تعبيراً عن الواقع والمجتمع، فضلاً عن كونها تحمل رسائل سامية وأهدافاً واضحة.
وتساءلت الفنانة، بأسى ظاهر، عن غياب الكُتاب الكبار الذين كانت لهم بصمة أدبية وفكرية قوية في الدراما والسينما المصرية، مستذكرة بداياتها الفنية التي انطلقت من خلال أعمال ضخمة شارك في صياغتها عمالقة الأدب مثل إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ. وقالت بنبرة يغلب عليها الحنين: "فين الناس دي؟ فين الكتابات اللي كانوا يكتبوها؟!".
وأضافت أن العمل الفني في الماضي لم يكن يُنظر إليه كوسيلة ترفيهية فقط، بل كأداة توعوية وثقافية وتربوية في آنٍ واحد، مشيرة إلى أن السينما والدراما كانت تُسهم بشكل كبير في تشكيل الوعي الجمعي وتقديم حلول حقيقية للمشاكل الاجتماعية، عكس الكثير من الأعمال الحالية التي تراها تفتقر للهدف والمضمون.
ورغم تطور التكنولوجيا الحديثة في مجال الصناعة السينمائية والإنتاج الدرامي، فإن سهير رمزي ترى أن هذا التطور لم ينعكس إيجاباً على مستوى الفن نفسه، بل ربما أدى إلى تراجع في الجودة والمضمون. وأكدت أن الدول العربية الأخرى سبقتنا في كثير من جوانب الإنتاج الفني من حيث التكنيك، التنظيم، وحتى الأفكار، وهو أمر يؤلمها كامرأة تنتمي إلى الجيل الذهبي للفن المصري، الذي كان يوصف دوماً بأنه "هوليوود الشرق".
وأكدت أن مصر تمتلك كل الإمكانيات التي تؤهلها لأن تكون في مقدمة المشهد الفني عربياً وعالمياً، من مواهب وكفاءات وبنية تحتية إنتاجية، لكن ينقصها فقط الرؤية الواضحة والالتزام الحقيقي بالمعايير الفنية والثقافية. وتمنت أن تعود الدراما المصرية إلى مكانتها الحقيقية، وأن تتم الاستفادة من أدوات العصر الحديث لخدمة الإبداع لا لتمييع مضمونه.
وعن حالتها الصحية، طمأنت الفنانة الكبيرة جمهورها بأنها تتمتع بصحة جيدة، وتعيش حياتها بهدوء وسلام داخلي، مشيرة إلى أنها تتابع ما يُعرض من أعمال درامية خلال شهر رمضان الكريم، وتحرص على مشاهدة بعض المسلسلات رغم تحفظاتها على الكثير من المضامين. وأضافت أنها تتابع تلك الأعمال من منطلق اهتمامها المستمر بما يُقدَّم للجمهور، حتى وإن لم تكن تشارك بنفسها، معتبرة أن الفنان الحقيقي يظل مرتبطاً بالمجال الفني حتى وإن ابتعد عن الكاميرا.
ورأت رمزي أن هناك فجوة بين ما يطلبه الجمهور وبين ما يُقدَّم على الشاشات، مرجعة ذلك إلى غياب الرؤية الشاملة عند بعض صناع المحتوى الفني، وانتشار ثقافة "التريند" التي تحكم العديد من القرارات الإنتاجية، دون أن يُراعى الجانب الإبداعي أو التربوي.
كما أعربت عن أمنيتها أن ترى تعاوناً حقيقياً بين الأجيال الجديدة والقديمة، مشيرة إلى أن الفنانين الشباب يمتلكون طاقات كبيرة، لكنهم بحاجة إلى التوجيه والخبرة حتى يخرج عطاؤهم في أفضل صورة ممكنة. وأكدت أن الاحتكاك بالأجيال السابقة يثري التجربة ويمنح العمل الفني بُعداً تاريخياً وإنسانياً لا يمكن تعويضه.
وفي سياق الحديث، أشارت رمزي إلى أن كثيراً من القضايا الاجتماعية التي كانت تُطرح في أعمال السبعينات والثمانينات ما زالت قائمة حتى اليوم، بل وتفاقمت، ما يطرح تساؤلاً حول جدوى الأعمال الحالية في تناول هذه القضايا، وما إذا كانت تقوم بدورها المفترض أم لا. وأكدت أن القضايا الكبرى مثل الفقر، التعليم، العنف الأسري، والتطرف الفكري، بحاجة إلى معالجات درامية حقيقية، لا إلى استعراضات سطحية.
وأشادت الفنانة ببعض التجارب الدرامية التي حاولت كسر النمطية وتقديم رؤى جديدة، لكنها رأت أن هذه التجارب ما زالت محدودة وغير كافية لإحداث التحول المنشود في الدراما المصرية. ودعت إلى ضرورة عودة الروح الجادة إلى ورش الكتابة، وإلى تشجيع المبدعين الحقيقيين الذين يمتلكون رؤية ورسالة.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أنها لا تشعر بالندم تجاه أي قرار اتخذته في حياتها الفنية، لكنها تشعر بالأسف على ما وصل إليه حال الفن في الوقت الراهن، متمنية أن تستعيد مصر ريادتها الفنية في القريب العاجل، وأن يعود المسرح والسينما والدراما إلى لعب دورهم الحضاري والثقافي الذي يليق بتاريخ هذا البلد.