رحل عن عالمنا الفنان القدير نعيم عيسى بعد رحلة طويلة وشاقة مع المرض، حيث وافته المنية منذ قليل داخل أحد المستشفيات الكبرى بمدينة الإسكندرية، عن عمر ناهز 89 عامًا، بعد أن تدهورت حالته الصحية بصورة مفاجئة في الأيام الأخيرة، ليفارق الحياة بعد مسيرة فنية حافلة امتدت لعقود طويلة من العطاء الفني، ترك خلالها بصمة مميزة في المسرح والدراما والسينما المصرية.
كان الفنان نعيم عيسى قد نُقل إلى المستشفى في حالة حرجة بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد، وهو ما تسبب في تدهور سريع لحالته الصحية. وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي بذلها الفريق الطبي المعالج لمحاولة إنقاذه، إلا أن حالته لم تستجب للعلاج، وتم وضعه على أجهزة التنفس الصناعي داخل غرفة العناية المركزة، مع استمرار تدهور المؤشرات الحيوية، خاصة بعد توقف عضلة القلب لنحو أربع دقائق، قبل أن يتمكن الأطباء من إنعاشها مؤقتًا، لتستمر معاناته مع الألم والضعف العام.
وخلال الساعات الأخيرة من حياته، عاش الفنان نعيم عيسى لحظات صعبة، إذ دخل في غيبوبة شبه كاملة، وسط تدهور متواصل في أجهزة الجسم الحيوية، مع توقف تدريجي لوظائف الكلى والكبد، واضطرابات حادة في الدورة الدموية والتنفس. نجل الفنان ناشد جمهوره ومحبيه عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالدعاء لوالده بالشفاء، قائلاً في تصريح مؤلم: "والدي لا يستجيب للعلاج.. حالته متدهورة جدًا ويمر بمضاعفات كبيرة.. توقف قلبه لمدة 4 دقائق، ادعوا له من قلوبكم".
الفنان نعيم عيسى كان من الفنانين القلائل الذين حافظوا على حضورهم الفني المميز رغم التقدم في العمر والابتعاد النسبي عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة. وتمتع بشعبية كبيرة بين مختلف الأجيال، نظرًا لأدواره الكوميدية والإنسانية المميزة، التي تركت أثرًا عميقًا في وجدان الجمهور المصري والعربي، سواء من خلال المسرحيات الشهيرة التي شارك فيها ضمن فرقة الفنان عادل إمام، أو الأدوار المتنوعة التي أداها في السينما والتلفزيون، وكان آخرها في بداية الألفية.
ينتمي نعيم عيسى إلى جيل من الفنانين الذين شكلوا ملامح المسرح المصري الحديث، حيث انطلقت مسيرته الفنية من على خشبة المسرح القومي، قبل أن ينضم إلى فرق مسرحية شهيرة قدمت أعمالًا ما زالت تُعرض حتى اليوم. كما كان يتمتع بحس فني رفيع، وقدرة على تجسيد الشخصيات المركبة ببساطة وسلاسة، وامتلك كاريزما جعلته محبوبًا من جمهور الكوميديا والدراما على حد سواء.
الفنان الراحل عُرف بتواضعه الشديد وروحه الطيبة داخل الوسط الفني، وكان محل احترام وتقدير جميع زملائه، كما ساهم في اكتشاف ودعم عدد من المواهب الفنية خلال مشواره. وقد أُصيب خلال السنوات الأخيرة بعدة أزمات صحية متلاحقة أثرت على حالته العامة، ما دفعه للابتعاد تدريجيًا عن الساحة الفنية، مكتفيًا بظهور محدود في بعض المناسبات العامة، قبل أن يتدهور وضعه تمامًا خلال الأسابيع الأخيرة.
ومن المنتظر أن تُعلن الأسرة خلال الساعات المقبلة عن موعد الجنازة ومكان العزاء، وسط حالة من الحزن الشديد خيمت على الوسط الفني والجمهور، الذين نعوا الفنان بكلمات مؤثرة، مستذكرين أعماله التي لطالما أضحكتهم وأثرت فيهم. العديد من الفنانين سارعوا إلى نعي الراحل بكلمات حزينة عبر منصات التواصل، مؤكدين أن رحيله خسارة كبيرة للفن المصري، ولفنان طالما أعطى الكثير دون أن يسعى وراء الأضواء.
الجدير بالذكر أن نعيم عيسى وُلد في الإسكندرية عام 1935، وبدأ حياته الفنية في ستينيات القرن الماضي، واشتهر بأدواره في مسرحيات مثل "شاهد ما شفش حاجة"، "الواد سيد الشغال"، و"ريا وسكينة"، بالإضافة إلى ظهوره المميز في عدد من الأفلام والمسلسلات التي كان يحظى فيها بحضور لافت رغم بساطة الدور، وتمكنه من ترك انطباع لا يُنسى.
ورغم قلة ظهوره الإعلامي، ظل نعيم عيسى حاضرًا في قلوب الجمهور المصري، خاصة مع تكرار عرض أعماله القديمة على القنوات الفضائية، التي جعلت اسمه حاضرًا دائمًا في البيوت المصرية والعربية، ويُذكر على الدوام باعتباره أحد أعمدة الكوميديا الإنسانية في الفن العربي.
بوفاته، يفقد الفن المصري رمزًا من رموزه الطيبين، الذين أثروا الحياة الفنية بجمال أرواحهم قبل مواهبهم، وستبقى بصمته خالدة في ذاكرة الجمهور، ويظل اسمه محفورًا في وجدان كل من تربى على فنه، ليكون رحيله فصلًا حزينًا في قصة فنان كبير، عاش مخلصًا لفنه وجمهوره حتى اللحظة الأخيرة.