في ظل تزايد الحديث عن الرقية الشرعية وانتشار بعض الممارسات المرتبطة بها، عاد إلى الواجهة ما يُعرف بـ"دعاء التحريج"، الذي يُقال قبل الرقية لطرد الجان وإنذاره قبل إحراقه بآيات القرآن الكريم. يرى مؤيدو هذا الدعاء أنه وسيلة رحيمة تمنح الجني فرصة للخروج من جسد المصاب دون أذى، فيما يعتبر آخرون أنه لا أصل له في السنة النبوية، وأنه نوع من البدع التي لا تجوز في العلاج الشرعي.

تبدأ جلسة الرقية عادة بترديد الراقي لصيغة التحريج مثل: "أناشد كل من سكن جسدي من الشياطين أن يخرج طاعةً لله ولرسوله، لا تؤذوني ولا أؤذيكم". ويُعتقد أن هذا الإنذار يساعد في طرد الأذى الروحي أو السحر قبل بدء القراءة الشرعية. غير أن الكثير من العلماء أكدوا أن هذه الطريقة لا تستند إلى نص صريح من القرآن أو السنة.

الشيخ سعد الخثلان أوضح أن التحريج ورد فقط في السنة النبوية بخصوص حيّات البيوت، إذ أمر النبي ﷺ بالتحريج عليها ثلاث مرات قبل قتلها، فقال: "أحرّج عليك بالله إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج من هذا المكان وإلا قتلتك". أما ربط هذا الدعاء بالرقية أو بطرد الجن من جسد الإنسان فلا أصل له في الشرع.

الإمام ابن باز رحمه الله شدّد كذلك على أن التحريج ليس له دليل يتعلق بالرقية، مؤكدًا أن المسلم إذا دخل بيته فليقل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فذلك هو الذكر الصحيح للحماية. كما أشار إلى أن استعمال طرق أخرى كرش الماء المقروء عليه أو الملح جائز إن ثبت نفعه بالتجربة دون اعتقاد أنه عبادة.

أما الشيخ محمد صالح المنجد، فأجاز التحريج على الجني إن كان متلبسًا، بوعظه وإنذاره، مؤكدًا أن ذلك يدخل ضمن الرقية المباحة التي لا شرك فيها. وبيّن أن الأصل في الرقية أنها ليست توقيفية، فيجوز للمسلم استخدام الأساليب المجربة التي لا تخالف الشرع، مستدلًا بحديث النبي ﷺ: "لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك".

ويستدل بعض العلماء على مشروعية التحريج في حالات معينة بحديث النبي ﷺ: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئًا منها فحرّجوا عليه ثلاثًا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر". أي أن التحريج في الأصل إنذار للكائنات التي يُحتمل أن تكون من الجن، وليس وسيلة لعلاج المس أو السحر.

وفي النهاية، يتفق العلماء على أن الرقية الشرعية الصحيحة هي ما كانت بآيات من القرآن الكريم والأدعية الثابتة عن النبي ﷺ، دون زيادة أو ابتداع في الصيغ، وأن الحذر واجب من كل ما لم يثبت نصه في السنة، حتى لا تختلط الرقية بالبدع والخرافات.