حين تهبط درجات الحرارة وتغلق النوافذ، يبدأ شتاء آخر داخل الجدران… فصل يعاني فيه البعض من حساسية غير مرتبطة بالبرد وحده، بل بالمسببات الخفية التي تختبئ في المنازل. فمع قلة التهوية واعتمادنا على الدفايات، تتكاثر العوامل المسببة للحساسية مثل عثّ الغبار والعفن ووبر الحيوانات، لتتحول الدفء المنشود إلى بيئة مكتظة بالمهيجات.

تُعد حساسية الشتاء من أكثر الحالات إرباكًا لأنها تتشابه أعراضها مع نزلات البرد، غير أن هناك فرقًا دقيقًا بينهما؛ فالحساسية لا تسبب الحمى أو آلام المفاصل، بل تظهر في صورة عطاس متكرر وانسداد في الأنف وحكة مزعجة في العينين والحنجرة، وتستمر طالما وُجدت مسبباتها، على عكس نزلات البرد التي تزول خلال أيام معدودة.

يؤكد الأطباء أن الخطوة الأولى لتخفيف حساسية الشتاء تبدأ من داخل المنزل، وذلك عبر ضبط الرطوبة لتظل في حدود 40 إلى 50%، واستخدام أجهزة ترطيب معتدلة تمنع جفاف الهواء دون زيادة الرطوبة التي تشجع نمو العفن. كما يُنصح بتنظيف الغرف بانتظام باستخدام مكانس مزودة بفلاتر HEPA، وغسل أغطية السرير بالماء الساخن أسبوعيًا للتخلص من عثّ الغبار غير المرئي.

ويُعتبر فتح النوافذ يوميًا لبضع دقائق وسيلة فعالة لتجديد الهواء ومنع تراكم الملوثات. أما أجهزة التدفئة، فرغم فوائدها في تدفئة المكان، إلا أنها تُجفف الأغشية المخاطية وتُسبب تشقق الجلد، لذا يُفضَّل استخدام بخاخات ملحية لترطيب الأنف وتناول كميات كافية من الماء على مدار اليوم للحفاظ على توازن الرطوبة في الجسم.

في الحالات التي لا تستجيب لهذه الإجراءات، قد يُوصي الطبيب بأدوية مضادة للهيستامين أو بخاخات أنفية تحتوي على جرعات منخفضة من الكورتيزون لتخفيف الالتهابات. أما من يعانون من حساسية مزمنة، فقد يستفيدون من العلاج المناعي الذي يعمل على تدريب الجهاز المناعي تدريجيًا لتقليل تفاعله تجاه المهيجات.

حتى خارج المنزل، يظل خطر الحساسية قائمًا في أماكن العمل والمواصلات العامة حيث تنتقل الجزيئات المسببة للحساسية على الملابس. لذلك، يُنصح بحمل مناديل أو بخاخ أنفي خفيف للتعامل الفوري مع أي تهيج مفاجئ.

ويبقى الحل الأهم هو الوعي؛ فمعرفة المحفزات وتعديل العادات اليومية يمكن أن يحول الشتاء من موسم الحساسية إلى فصل مفعم بالراحة والتنفس السليم.