شهر جمادى الأولى هو أحد الشهور التي تفيض عبقًا من عمق التاريخ الإسلامي، إذ ارتبط اسمه بالشتاء القارس حين كانت المياه تتجمّد من شدّة البرد، فاشتُق اسمه من “الجمود” و”الجماد”. وقد أطلق عليه العرب هذا الاسم في زمن كانت الطبيعة فيه عنوانًا للتقويم، فحين كان الماء يجمد، سُمِّي الشهر “جمادى”.

ويُقال إن تسميته جاءت من شدة البرد الذي ساد في تلك الفترة من العام عند اعتماد التقويم القمري، لذا لُزِمَه الاسم منذ القدم. كما أن العرب كانت تعدُّ شهري جمادى الأولى وجمادى الآخرة من شهور القحط والجدب، لما فيهما من قسوة الطقس وقلة المطر.

وقد ورد ذكره في شعر العرب قديمًا، فقال أُحَيحة بن الجُلاح:

“إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا — زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُغْضِفُ”،
في إشارةٍ إلى قلة المطر في هذا الشهر.

ويُلاحظ أن كلمة “جمادى” مؤنثة، ولذلك يقال: “جمادى الأولى” لا “جمادى الأول”، كما لا يُقال “جمادى الثانية” بل “جمادى الآخرة” لأنّ العرب لم يجعلوا بعدهما جمادى ثالثة.

أما من الناحية التاريخية، فقد شهد هذا الشهر أحداثًا مؤثرة في ذاكرة الأمة الإسلامية، من أبرزها:

في سنة 297 هـ: إعلان قيام الدولة الفاطمية في المغرب بعد دعوة أبي عبد الله الشيعي ومبايعته لعبيد الله المهدي بالخلافة.

في سنة 954 هـ: توقيع معاهدة صلح بين الدولة العثمانية والنمسا في عهد السلطان سليمان القانوني، شملت هدنة لخمس سنوات مقابل جزية سنوية.

في سنة 1376 هـ: انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من مصر بعد فشل العدوان الثلاثي الذي شنته مع إسرائيل، وهو من أبرز الأحداث في التاريخ الحديث.

ويُعتبر جمادى الأولى جزءًا من دورة زمنية روحية في التقويم الإسلامي، إذ يأتي بعد ربيع الآخر وقبل جمادى الآخرة، حاملاً في اسمه معنى الثبات والجمود، لكنه في ذاكرة المسلمين شهر تحركت فيه أمم، وتبدلت فيه موازين التاريخ.